الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هذا وما جاء عن الأحمديين بأن خاتم النبيين ليس المراد منه أن لا نبي بعده وإنما هو معنى الكمال قول لا حقيقة له كسائر أقوالهم بحق عيسى عليه السلام وان له خليفة عندهم وأنه سيظهر بدلا منه ويقوم بما يقوم به، وينكرون رفعه إلى السماء ويؤولون الرفع على خلاف ما جاء في القرآن العظيم، وهذا كله بهت وزور وافتراء لا يلتفت إليه إلا من هو على شاكلتهم.{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذكْرًا كَثيرًا} (41) لا نهاية له حتى الموت لأن كل عبادة لها حد ويعذر أهلها بتركها عند الضرورة إلا الذكر، إذ يجب على العبد ألا يفارقه ما دام في قلبه حركة ولا يمنع منه وجود حدث أو حيض أو نفاس ولا الخوف والمرض بل يتأكد فيها رجاء الفرج والصحة {وَسَبّحُوهُ} نزهوه ووقروه وعظموه مع إدامة ذكره {بُكْرَةً وَأَصيلًا} (42) صباح مساء بصورة مستمرة بحيث لا يغفل قلبكم عنه وهذا هو المطلوب شرعا من العبد لربه لأنه {هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائكَتُهُ ليُخْرجَكُمْ منَ الظُّلُمات إلَى النُّور وَكانَ بالْمُؤْمنينَ رَحيمًا} (43) أي لعامتهم الأولين والآخرين.ولا معنى لقول من قال إن هذه الرحمة الذين كانوا زمن حضرة الرسول بل هي عامة لهم ولمن تقدمهم وتأخر عنهم {تَحيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} منه إليهم ومنهم إليه في جنته الكريمة {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَريمًا} (44) فيها لا نظير له، والظلمات هنا بمعنى الكفر والنور بمعنى الإيمان.قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ إنَّا أَرْسَلْناكَ شاهدًا} على الخلق {وَمُبَشّرًا} لمن آمن بك بالجنة {وَنَذيرًا} (45) لمن كذبك بالنار {وَداعيًا إلَى اللَّه} بالتوحيد والطاعة والإيمان {بإذْنه} بأمره ووحيه {وَسراجًا مُنيرًا} (46) يغطي كلمة الشرك ولم يقل شمسا لأنها لا يؤخذ منها شيء عفوا، أما السراج فيؤخذ منه أنوار كثيرة لأنه سهل التناول.{وَبَشّر الْمُؤْمنينَ بأَنَّ لَهُمْ منَ اللَّه فَضْلًا كَبيرًا} (47) على غيرهم من الأمم لأنهم آمنوا بنبيهم والأنبياء قبله {وَلا تُطع الْكافرينَ وَالْمُنافقينَ وَدَعْ أَذاهُمْ} لا تلق له بالا فإن الأنبياء قبلك أوذوا أكثر منك، وذلك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قسم قسمة بين أصحابه وكان يعطيهم بحسب ما يعلم منهم من قوة الإيمان وضعفه، فقال رجل منافق ما أريد بهذه القسمة وجه اللّه بالنظر لظاهر الأمر، فقال صلّى اللّه عليه وسلم رحم اللّه أخي موسى فقد أوذي بأكثر من هذا.لأنهم وصموه بكونه آدر كما سيأتي آخر هذه السورة، وقد اتهموه بالزنى كذبا كما مر في الآية 76 من سورة القصص في ج 1 ونسبوا إليه قتل هرون كما سيأتي في الآية 26 من سورة المائدة الآتية، وفي رواية قال له ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ فأعرض عنهم يا رسول {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه} لا تلتفت إليهم {وَكَفى باللَّه وَكيلًا} (48) لك عن كل خلقه.قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ منْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهنَّ منْ عدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتّعُوهُنَّ} إذا لم تسموا لهن مهرا كما سبق بيانه في الآية 136 من سورة البقرة {وَسَرّحُوهُنَّ سَراحًا جَميلًا} (49) لا ضرار فيه وفي هذه الآية دلالة على أن الطلاق قبل النكاح لا يقع لأنه مرتب عليه وانه كما ينبغي أن يكون الزواج بالإحسان ينبغي أن يكون الطلاق كذلك لا إكراها، وتشير هذه الآية إلى الإحسان مع الزوجة التي لا مودة بينك وبينها إذ لا تكون قبل الدخول عادة فلأن يكون الإحسان مع التي دخلت بها وخاصة من صار لك منها أولاد من باب أولى، ولهذا نهى الشارع أن يأخذ من المطلقة شيئا في الآية (229) من البقرة المارة، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية (21) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} المشار إليها في الآية 23 من سورة الإسراء في ج 1، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لهذا البحث صلة في الآية (21) من سورة النساء الآتية فتكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ} المشار إليها في الآية 23 من سورة الإسراء في ج 1، اخرج أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لا طلاق فيما لا تملك ولا عتق فيما لا تملك ولا بيع فيما لا تملك.وجاء في الخبر لا طلاق في إغلاق أي إكراه أو غضب أو في حالة لا تملك فيها نفسك بحيث لا تعلم نتيجة ما تقول بسبب ما اعتراك من حدة وشبهها، وروى البخاري عن ابن عباس قال جعل اللّه تعالى الطلاق بعد النكاح، وعن جابر لا طلاق قبل النكاح، وما قيل إن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال إنه يقع فغير صحيح، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال كذبوا على ابن مسعود وإن كان قالها فزلة من عالم، وقول ابن مسعود هنا هو أن الرجل إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فإن كان هذا فهو تعليق يقع به الطلاق ولا تحسب عليه زلة، وما قيل إن هذه الآية منسوخة بآية فنصف ما فرضتم الآية 235 من سورة البقرة المارة فغير صحيح لأن تلك مع تسمية المهر وهنا في غير تسمية ولا خلوة، ومعناها إذا عقدتم عليهن وطلقتموهن قبل الدخول والخلوة التي هي في معناه.وإنما أوجبوا العدة في الخلوة احتياطا لتوهم انشغال الرحم خاصة بالثيب نظرا للتمكن الحقيقي، وظاهر الآية عدم وجوب العدة بالخلوة، لأنها ليست مسيئا، قال الشيخ الأمين بن عابدين دفين دمشق صاحب التآليف المشهورة: أي أن الخلوة كالوطء في كل شيء عدا هذه العشرة.واعلم أن هذه الآية ليست ناسخة لآية البقرة 223 إلا أنها عامة في كل المطلقات ينتظم فيها المدخول فيها وغيرها لأن هذه الآية المفيدة اعطت غير المدخول بها حكما آخر خاصا بها فليست بمبطلة لحكمها بتاتا ليقال بالنسخ.قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ إنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} مهورهن راجع الآية 24 من النساء الآتية بما يسمونه متعة بسبب لفظ الأجر مع أنه اطلق في القرآن في مواقع كثيرة على المهر {وَما مَلَكَتْ يَمينُكَ ممَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} من السبي في غنائم الحرب {وَبَنات عَمّكَ وَبَنات عَمَّاتكَ} من قريش {وَبَنات خالكَ وَبَنات خالاتكَ} من بني زهرة {اللَّاتي هاجَرْنَ مَعَكَ} مؤمنات بك وبربك، قالت أم هاني بنت أبي طالب خطبني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم أنزل اللّه هذه الآية، قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر كنت من الطلقاء.- أخرجه الترمذي- {وَامْرَأَةً مُؤْمنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَها للنَّبيّ} فهي حلال له {إنْ أَرادَ النَّبيُّ أَنْ يَسْتَنْكحَها} وإلا فلا تحل، {خالصَةً} بلا مهر وهذا الحكم خاص {لَكَ} يا سيد الرسل {منْ دُون الْمُؤْمنينَ} لأنهم لا ينعقد النكاح بينهم بالهبة ولا بغير شهود ويشترط لصحته، الولي والمهر والإيجاب والقبول وإذن الولي للصغيرة عند أبي حنيفة، واشترط الشافعي الإذن للكبيرة أيضا راجع الآية 25 من سورة النساء الآتية ويفهم من هذه الآية أن غير المؤمنة لا تحل للرسول إن وهبت نفسها إليه، وهذا على سبيل الفرض والتقدير، إذ لم يكن لديه صلّى اللّه عليه وسلم امرأة إلا بعقد أو ملك يمين، وقيل كان عنده واحدة موهوبة اختلفوا فيها هل أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصاري الهلالية أو أم شريك بنت جابر الأسدية أو خولة بنت حكيم السلمية أو ميمونة بنت الحارث، وأرجح الأقوال بأنها خولة بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن عروة قال كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلّى اللّه عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟! وهذا من كمال غيرتها، وإلا فمن ترى السعادة في الدارين في هبة نفسها لمثل رسول اللّه لم لا تفعل، وإنا نرى الآن كرائم النساء يسعين ويتوسطن بتقديم أنفسهن لمن يرون فيه المروءة والشهامة والسعادة الدنيوية، فكيف ممن تكون بمرافقته سعادة الدنيا والآخرة {قَدْ عَلمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهمْ في أَزْواجهمْ} المؤمنين سيأتي بيان هذا في الآية 22 من سورة النساء وغيرها {وَ} علمنا ما فرضنا عليهم في {ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ} من الإماء اللاتي أصلهن من السبي {لكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ} أيها النبي {حَرَجٌ} فيما تريد من ذلك {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحيمًا} (50) بعباده يوسع عليهم فيما لابد لهم منه.ولما وقعت الغيرة بين نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلم وكان يقسم بينهن أنزل اللّه تعالى: {تُرْجي} تبعد وتؤخر {مَنْ تَشاءُ منْهُنَّ وَتُؤْوي} تدني وتقرب وتضم {إلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَن ابْتَغَيْتَ ممَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ} ولا حرج أيضا وهذا كله من خصائصه صلّى اللّه عليه وسلم دون المؤمنين كافة {ذلكَ} الذي أبحناه لك وخيرناك فيه مما لم يكن لغيرك بشأن النساء {أَدْنى} أقرب وأهون {أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} فيرضين بما يرونه منك مهما كان وتطيب أنفسهن {وَلا يَحْزَنَّ} على ما يزعمنه منك من موالاة بعضهن وترجيحهن على غيرهن لأنه من اللّه لا منك {وَيَرْضَيْنَ بما آتَيْتَهُنَّ} من تقريب وإبعاد وإرجاء وإقصاء وعزل وإيواء {كُلُّهُنَّ} لأنه حكم عام لا يختص بواحدة دون الأخرى وتفويض مطلق لك من نسائك.{وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما في قُلُوبكُمْ} من الميل إلى بعضهن {وَكانَ اللَّهُ} ولم يزل {عَليمًا} بأن في هذا إصلاح لحال أزواجك معك {حَليمًا} (51) بما خصك به دون سائر خلقه لأنه قاطع لكلامهن.
|